ويشف صدور قوم مؤمنين


 بسم الله الرحمن الرحيم


إن مما يجب التنبيه عليه في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ الأمة، أن كثيرًا من الناس قد انخدعوا بصراعٍ ظاهر بين طرفين باطلين:

 • أحدهما: الكيان الصهيوني المحتل،

 • والآخر: الكيان الصفوي الرافضي.


وهذان الكيانان، على اختلاف اسميهما، يجتمعان في عداوتهما لأهل السنة، وعداوتهما لدين الله الحق، وانتهاكهما لحرمات الإسلام وأهله.

فالكيان الصهيوني قتل أهلنا في فلسطين، وشرّدهم، وهدم بيوتهم، واحتل المسجد الأقصى، ودنّسه، وسفك الدماء، واستكبر في الأرض، وحارب دين الله جهرًا، وطعن في رسله وشريعته.

وأما الكيان الصفوي الرافضي، فإنه ما دخل أرضًا إلا أفسدها، فقتل أهل السنة في العراق وسوريا واليمن، فجّر المساجد، وسبّ أصحاب النبي ﷺ وأمهات المؤمنين، وطعن في القرآن، وابتدع في دين الله، واتخذ أئمته أربابًا من دون الله.

ومن أعظم الفتن اليوم أن يظن البعض أن نصرة أحد الفريقين تقرّب إلى الله، أو أنها اختيار لأخفّ الضررين، فيتولّى مسلمٌ طاغوتًا ليدفع به طاغوتًا آخر.
وهذا من الجهل والضلال، فإن الحق لا يكون في مناصرة الباطل، ولا في الركون إلى من عادى الله ورسوله والمؤمنين.

قال تعالى:

{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} [هود: 113]
وقال عز وجل:
{ومن يتولهم منكم فإنه منهم} [المائدة: 51]

وقد نهى الله عن موالاة الكفار مطلقًا، ولو كانوا يقاتلون كفارًا آخرين، لأن الولاء والبراء من أصل الدين، وليس من التكتيكات السياسية.

بل إن المسلم لا يرضى أن يُسفك دم أخيه المسلم في العراق ليُحقن في فلسطين، ولا أن تُفجّر المساجد في الشام لتهدأ في غزة.
فالدم المسلم عند الله واحد، والمقدسات كلها عظيمة، ولا يجوز التهاون في حرمة منها دون أخرى.

قال النبي ﷺ:

«لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم»
وقال تعالى:
{ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها} [النساء: 93]

ومن خذل أهل السنة، أو برّر للرافضة أو الصهاينة جرائمهم، أو اعتذر عن عدوانهم على المساجد والدماء، أو ناصرهم طمعًا في مكسب، أو خوفًا من ضرر، فقد خالف هدي النبي ﷺ، ووقع في تولّي الظالمين، وساوم على الدين من أجل الدنيا.

ومن الواجب على المسلم أن يكون ولاؤه لله، وعداوته في الله، لا تحرّكه الأعلام، ولا تضلّله الشعارات، ولا يغترّ بزيف “المقاومة”، ولا خداع “الممانعة”.

فالذي يسبّ الله ورسوله وأصحابه، ويقتل المسلمين، ويهدم المساجد، ليس من أهل الحق مهما لبس عباءة المقاومة.
والذي يحتل أرض المسلمين، ويمنعهم من الصلاة، ويقتل النساء والأطفال، ليس حليفًا سياسيًّا للمسلمين، بل هو عدوّ لله ولدينه.

وفي هذا السياق، فإن دم المسلم في كل مكان له حرمته، وحرمة مقدسات الإسلام لا تتجزأ، فكما أن الأقصى مغتصب، كذلك بغداد والموصل وصنعاء مدن منكوبة، وشعائر الإسلام فيها مهدورة.

لذا، من واجب أهل السنة أن يحذروا من الانجرار خلف أحد طرفي الفتنة، وأن يتمسّكوا بالميزان الشرعي، وأن يعرضوا كل مواقفهم على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، لا على مصالح مرحلية أو حسابات دولية.

نسأل الله أن يرفع هذه الغُمّة عن الأمة، وأن يجعل بأس أعدائه بينهم، وأن ينصر عباده الموحّدين، وأن يثبّت أهل السنة على الحق، ويحفظهم من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
نعم، نحن لا ننصر ولا نوالي الرافضة المجوس المشركين، الذين طعنوا في عرض رسول الله ﷺ، وسبّوا خيار الأمة من الصحابة، وكفّروا جمهور المسلمين، وأسسوا عبر تاريخهم الطويل مشروعًا عقائديًا باطنيًا قائمًا على الحقد والخيانة والغدر. ولا نوالي كذلك اليهود الغاصبين المعتدين، الذين اغتصبوا أرض فلسطين، وانتهكوا الحرمات، وسفكوا الدماء، ودنّسوا المسجد الأقصى، واحتلوا مقدسات المسلمين، ولم يرقبوا في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّة. ومع ذلك كله، فإنه لا يجوز لأهل السنة أن يبقوا في وضع المتفرّج، وكأن هذا الصراع لا يعنيهم، أو كأنهم غير معنيين بمآلات هذه المعركة بين طرفين كلٌّ منهما يكنّ لأهل السنة البغضاء، وينتظر اللحظة التي يُجهز فيها على ما تبقى من شوكتهم. فإن هذه المعركة التي تحتدم اليوم بين المشروع الإيراني الصفوي والمشروع الصهيوني ليست نزاعًا سياسيًا عابرًا، بل هي صراع مشاريع كبرى، ومَن يُهزم فيه، فإن المنتصر لن يُبقي لأهل السنة نصيبًا من الأمن أو القرار أو التأثير. وإن الواجب على أهل السنة أن يهيّئوا أنفسهم لمواجهة العدو المنتصر، وأن يعدّوا ما استطاعوا من قوة، لا انتظارًا للمعركة القادمة فقط، بل لحماية ما بقي من ديار المسلمين ومصالحهم وعقيدتهم. وإن بقاء أهل السنة على حال التفرّق والانكفاء والعجز والتحليل من بعيد هو نوع من الانسحاب من ميدان الأمة، وترك الساحة لخصوم العقيدة من كل اتجاه، سواء كانوا رافضة أو يهودًا أو أنظمة وظيفية تصبّ في مصلحة أعداء الملة. ويجب على أهل السنة في هذا السياق أن يعيدوا النظر في مواقفهم وأحكامهم تجاه بعض الجماعات والفصائل التي –مع ما قد يُؤخذ عليها من أخطاء أو تجاوزات– كان ينبغي أن تُحتضن وتُسدَّد وتُقوَّم، لا أن تُقصى أو تُستعدى، خاصة وهي التي وقفت في وجه أعداء الأمة في كثير من المواطن، وقدّمت الدماء والتضحيات. وليس من الحكمة ولا من الدين أن يُنزع الغطاء عن هذه الفصائل المجاهدة ويُرمى بها في العراء، ثم يُستغرب بعد ذلك تمكّن العدو من بلاد المسلمين بلا مقاومة حقيقية. كما يجب أن يُدرك أهل السنة بوضوح تام أن هذه الأنظمة العربية القائمة ما هي في الحقيقة إلا أدوات أنشأها المستعمر الغربي، من بريطانيا وفرنسا وأمريكا، لتقسيم العالم الإسلامي، وضمان تبعيته السياسية والعسكرية والاقتصادية، ولمنع أي نهضة إسلامية حقيقية تنطلق من العقيدة وتتوحد على التوحيد. وإن هؤلاء الحكام –في أغلب بلاد المسلمين– ليسوا إلا موظفين ينفذون ما يُملى عليهم من القوى الكبرى، يطبّعون مع العدو، ويضيقون على العلماء والدعاة والمجاهدين، ويقدمون الولاء التام لأعداء الأمة، في حين يقمعون شعوبهم، ويحاصرون كل مشروع سنّي مستقل. فلا يجوز الركون إليهم، ولا الثقة في وعودهم، ولا الدخول في تحالفات معهم تُفقد أهل السنة استقلالهم أو تُذيب مشروعهم العقدي. ومن الواجب الآن أن يعمل أهل السنة على إقامة مشروع مستقل، جامع، واضح الرؤية، متين الأساس، يقوم على الكتاب والسنة، وعلى منهج أهل السنة والجماعة، ويراعي السنن الشرعية والكونية في تحقيق التمكين، ويضم الكفاءات والجهود المخلصة، دون إقصاء ولا ميوعة، ودون تبعية للأنظمة العميلة. فهذا هو وقت العمل، لا وقت التراخي، ووقت التوحد على العقيدة والمنهج، لا وقت الخلافات الفرعية، ووقت الاستعداد للصراع القادم، لا وقت الغفلة والانشغال بالصغائر. فالأمة تمر بمرحلة مصيرية، وإن تأخر أهل السنة، أو ترددوا، أو تفرّقوا، فسيكتب عليهم التأخر لعقود قادمة، وسيُحكم عليهم بمزيد من الذل والهيمنة، كما قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾، وقال سبحانه: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾، فاللهَ اللهَ في أمتكم، وفي عقيدتكم، وفي دماء المسلمين، ومقدساتهم، وأعراضهم، ولا تكونوا من الغافلين، فإن التاريخ لا يرحم، والسنن لا تتخلف.

أحدث أقدم