إنّ العداء المستحكم الذي يكنّه الغرب الصليبي وتكنّه الأنظمة العلمانية الحاكمة في بلاد المسلمين للجماعات الجهادية الإسلامية ، ليس وليد لحظة ولا صدفة عابرة، وإنما هو عداءٌ له جذر ممتد في تاريخ الصراع بين الحق والباطل. هذه الجماعات ـ مهما أصابها من أخطاء ـ لكنها قد عرفت الطريق إلى كسر صنم العبودية للغرب، وأعلنت بوضوح أن الأرض لله، وأن الحكم لله، وأن السيادة لا تكون إلا لشرع الله.
إنّهم يكرهونها لأنها تقول: لا خضوع إلا لله، ولا طاعة إلا لشرعه، ولا ولاء إلا لدينه. ولو تمكنت هذه الجماعات من حكم بلاد المسلمين وإدارة ثرواتها بعقيدة التوحيد الصافية، لانعتقت الأمة من أغلال مجلس الأمن وهيمنة البيت الأبيض، ولسقطت كل عروش العمالة والذل، ولما بقي للنظام الرأسمالي العالمي قائمة، إذ إن هذا النظام الباطل إنما قام على امتصاص دماء الأمة ونهب ثرواتها والتلاعب بمقدراتها.
إنّهم يدركون أن تمكين الشريعة يعني نهاية الاستعمار الناعم، وسقوط مصالحهم التي بنوها على جماجم المستضعفين من المسلمين، ولذلك يرمون بكل قواهم في حرب هذه الجماعات، ويوظفون الإعلام، والسياسة، والجيوش، والأنظمة المحلية، لأنهم يعلمون أن الصدع بالتوحيد، والصدع بالجهاد، هو الخطر الأكبر على حضارتهم المادية الفارغة.
فالخلاف بين الغرب وبين هذه الجماعات ليس خلافًا على تفاصيل سياسية أو مصالح عابرة، بل هو خلاف عقدي حضاري: إما أن يُعبد الله وحده، أو يُعبد الطاغوت، إما أن يُحكم بشرع الله، أو يُحكم بشرع البشر. وهذه سنة الله في المدافعة: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}.